فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قل من رب السموات والأرض} أمر الله تعالى نبيه أن يقول لمشركي قريش: {من رب السموات والأرض} ثم أمره أن يقول لهم: {قل الله} إن لم يقولوا ذلك إفهامًا قالوه تقريرًا لأنه جعل ذلك إلزامًا.
{قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا} ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذا بعد اعترافهم بالله: أفاتخذتم من دون الخالق المنعم آلهة من أصنام وأوثان فعبدتموها من دونه، لا يملكون لأنفسهم نفعًا يوصلونه إليها ولا ضرًا يدفعونه عنها، فكيف يملكون لكم نفعًا أو ضرًا؟ وهذا إلزام صحيح.
ثم قال تعالى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور} وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر كالأعمى والبصير، والهدى والضلالة كالظلمات والنور، فالمؤمن في هُداه كالبصير يمشي في النور، والكافر في ضلاله كالأعمى يمشي في الظلمات، وهما لا يستويان، فكذلك المؤمن والكافر لا يتسويان، وهذا من أصح مثل ضربه الله تعالى وأوضح تشبيه.
ثم قال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم} ومعناه أنه لما لم يخلق آلهتهم التي عبدوها خلقًا كخلق الله فيتشابه عليهم خلقُ آلهتهم بخلق الله فلما اشتبه عليهم حتى عبدوها كعبادة الله تعالى؟
{قل الله خالق كل شيء} فلزم لذلك أن يعبدوه كل شيء.
{وهو الواحد القهار}. وفي قوله: {فتشابه الخلق عليهم} تأويلان:
أحدهما: فتماثل الخلق عليهم.
الثاني: فأشكل الخلق عليهم، ذكرهما ابن شجرة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {قل من رب السماوات} الآية، جاء السؤال والجواب في هذه الآية من ناحية واحدة، إذ كان السؤال والتقرير على أمر واضح لا مدافعة لأحد فيه ملزم للحجة، فكان السبق إلى الجواب أفصح في الاحتجاج وأسرع في قطعهم من انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقع البدار إليه، وقال مكي: جهلوا الجواب وطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، فلما تقيد من هذا كله أن الله تعالى هو: {رب السماوات والأرض} وقع التوبيخ على اتخاذهم: {من دونه أولياء} متصفين بأنهم لا ينفعون أنفسهم ولا يضرونها، وهذه غاية العجز، وفي ضمن هذا الكلام: وتركتموه وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، ولفظة: {من دونه} تقتضي ذلك.
ثم مثل الكفار والمؤمنين بعد هذا بقوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير}.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: {تستوي الظلمات} بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {يستوي} بالياء، فالتأنيث حسن لأنه مؤنث لم يفصل بينه وبين عامله شيء. والتذكير شائع لأنه تأنيث غير حقيقي، والفعل مقدم.
وشبهت هذه الآية الكافر ب: {الأعمى}. والكفر ب: {الظلمات} وشبهت المؤمن ب: {البصير} والأيمان ب: {النور}: ثم وقفهم بعد: هل رأوا خلقًا لغير الله فحملهم ذلك واشتباهه بما خلق الله على أن جعلوا إلهًا غير الله؟ ثم أمر محمدًا عليه السلام بالإفصاح بصفات الله تعالى في أنه: {خالق كل شيء} وهذا عموم في اللفظ يراد به الخصوص في كل ما هو خلق الله تعالى. قال القاضي ابن الطيب وأبو المعالي وغيرهما من الأصوليين: ويخرج عن ذلك صفات ذاته- لا رب غيره- والقرآن، ووصف نفسه ب: {الواحد القهار} من حيث لا موجود إلا به، وهو في وجوده مستغن عن الموجودات لا إله إلا هو العلي العظيم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله}
إِنما جاء السؤال والجواب من جهة، لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء، فلما لم ينكروا، كان كأنهم أجابوا.
ثم ألزمهم الحُجة بقوله: {قل أفاتخذتم من دونه أولياء} يعني: الأصنام توليتموهم فعبدتموهم وهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فكيف لغيرهم؟! ثم ضرب مثلًا للذي يعبد الأصنام والذي يعبد الله بقوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} يعني المشرك والمؤمن: {أم هل تستوي الظلمات والنور} وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {تستوي} بالتاء.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {يستوي} بالياء.
قال أبو علي: التأنيث حسنٌ، لأنه فعلُ مؤنثٍ، والتذكير سائغ، لأنه تأنيث غير حقيقي.
ويعني بالظلمات والنور: الشركَ والإِيمان.
{أم جعلوا لله شركاء} قال ابن الأنباري: معناه: أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه، فتشابه خلق الله بخلق هؤلاء؟ وهذا استفهام إِنكار، والمعنى: ليس الأمر على هذا، بل إِذا فكَّروا علموا أن الله هو المنفرد بالخلق، وغيره لا يخلق شيئًا.
قوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء} قال الزجاج: قُل ذلك وبيِّنه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء، وقد ذكرنا في [يوسف: 39] معنى الواحد القهار. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ مَن رَّبُّ السماوات والأرض} أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} ثم أمره أن يقول لهم: هو الله إلزامًا للحجة إن لم يقولوا ذلك، وجهلوا مَن هو.
{قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} هذا يدلّ على اعترافهم بأن الله هو الخالق وإلا لم يكن للاحتجاج بقوله: {قُلْ أفاتخذتم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} معنى؛ دليله قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] أي فإذا اعترفتم فَلِمَ تعبدون غيره؟ا وذلك الغير لا ينفع ولا يضرّ؛ وهو إلزام صحيح.
ثم ضرب لهم مثلًا فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير} فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق، والمشرك الذي لا يبصر الحق.
وقيل: الأعمى مَثَلٌ لما عبدوه من دون الله، والبصير مَثَلُ الله تعالى: {أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور} أي الشرك والإيمان.
وقرأ ابن محيصِن وأبو بكر والأعمش وحمزة والكسائي: {يستوِي} بالياء لتقدم الفعل؛ ولأن تأنيث: {الظلمات} ليس بحقيقي.
الباقون بالتاء؛ واختاره أبو عبيد، قال: لأنه لم يحل بين المؤنث والفعل حائل.
و{الظلمات والنور} مثل الإيمان والكفر؛ ونحن لا نقف على كيفية ذلك.
{أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ} هذا من تمام الاحتجاج؛ أي خَلَق غير الله مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون خلق الله من خلق آلهتهم.
{قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي قل لهم يا محمد: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}، فلزم لذلك أن يعبده كل شيء.
والآية ردّ على المشركين والقَدَرية الذين زعموا أنهم خلقوا كما خلق الله.
{وَهُوَ الواحد} قبل كل شيء.
{القهار} الغالب لكل شيء، الذي يغلب في مراده كل مريد.
قال القُشَيريّ أبو نصر: ولا يبعد أن تكون الآية واردة فيمن لا يعترف بالصانع؛ أي سَلْهُم عن خالق السموات والأرض، فإنه يسهل تقرير الحجة فيه عليهم، ويقرب الأمر من الضرورة؛ فإن عَجْز الجماد وعَجْز كل مخلوق عن خلق السموات والأرض معلوم؛ وإذا تقرّر هذا وبَانَ أن الصانع هو الله فكيف يجوز إعتداد الشريك له؟ا وبيّن في أثناء الكلام أنه لو كان للعالم صانعان لاشتبه الخلق، ولم يتميز فعل هذا عن فعل ذلك، فبم يعلم أن الفعل من اثنين؟!. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذي يعبدون غير الله من رب السموات والأرض، يعني من مالك السموات والأرض، ومن مدبرهما وخالقهما فسيقولون: الله لأنهم مقرون بأن الله خالق السموات وما فيها، والأرض، وما فيها فإن أجابوك بذلك فقل: أنت يا محمد الله رب السموات والأرض.
وقيل: لما قال هذه المقالة للمشركين عطفوا عليه وقالوا أجب أنت فأمره الله أن يجيبهم بقوله: {قل الله} أي قل يا محمد: {الله} وقيل: إنما جاء السؤال والجواب من جهة واحدة لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء، فلما لم ينكروا ذلك وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله الله فكأنهم قالوا ذلك أيضًا ثم ألزمهم الحجة على عبادتهم الأصنام بقوله: {قل} أي قل يا محمد للمشركين: {أفاتخذتم من دونه} يعني من دون الله: {أولياء} يعني الأصنام والولي الناصر، والمعنى توليتم غير رب السموات والأرض واتخذتموهم أنصارًا يعني الأصنام: {لا يملكون} يعني وهم لا يملكون: {لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا} فكيف لغيرهم.
ثم ضرب الله مثلًا للمشركين الذين يعبدون الأصنام وللمؤمنين الذين يعبدون الله.
فقال تعالى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} قال ابن عباس: يعني المشرك والمؤمن: {أم هل تستوي الظلمات والنور} يعني الشرك والإيمان والمعنى كما لا يستوي الأعمى والبصير كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن وكما لا تستوي الظلمات والنور كذلك لا يستوي الكفر والإيمان، وإنما شبه الكافر بالأعمى لأن الأعمى لا يهتدي سبيلًا، وكذلك الكافر لا يهتدي سبيلًا: {أم جعلوا لله شركاء} هذا استفهام إنكار يعني جعلوا لله شركاء: {خلقوا كخلقة} يعني خلقوا سموات وأرضين وشمسًا وقمرًا وجبالًا وبحارًا وجنًا وإنسًا: {فتشابه الخلق عليهم} من هذا الوجه، والمعنى هل رأوا غير الله خلق شيئًا فاشتبه عليهم خلق الله بخلق غيره، وقيل: إنه تعالى وبخهم بقوله أم جعلوا لله شركاء خلقوا خلقًا مثل خلقه فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم، وهذا استفهام إنكاري أي ليس الأمر كذلك حتى يشتبه عليهم الأمر، بل إذ تفكروا بعقولهم وجدوا الله تعالى هو المنفرد بخلق سائر الأشياء والشركاء مخلوقون له أيضًا لا يخلقون شيئًا حتى يشتبه خلق الله بخلق الشركاء، وإذا كان الأمر كذلك فقد لزمتهم الحجة، وهو قوله تعالى: {قل الله خالق كل شيء} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الله خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقًا، وقوله الله خالق كل شيء من العموم الذي يراد به الخصوص لأن الله تعالى خلق كل شيء وهو غير مخلوق: {وهو الواحد} يعني والله تعالى هو الواحد المنفرد بخلق الأشياء كلها: {القهار} لعباده حتى يدخلهم تحت قضائه وقدره وإرادته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ولما كان السؤال عن أمر واضح لا يمكن أن يدفع منه أحد، كان جوابه من السائل.
فكان السبق إليه أفصح في الاحتجاج إليهم وأسرع في قطعهم في انتظار الجواب منهم، إذ لا جواب إلا هذا الذي وقعت المبادرة إليه، كما قال تعالى: {قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله} ويبعد ما قال مكي من أنهم جهلوا الجواب فطلبوه من جهة السائل فأعلمهم به السائل، لأنه قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} فإذا كانوا مقرين بأنّ منشئ السموات والأرض ومخترعها هو الله، فكيف يقال: بأنهم جهلوا الجواب فطلبوه من السائل؟ وقال الزمخشري: قل الله حكاية لاعتراقهم تأكيد له عليهم، لأنه إذا قال لهم: من رب السموات والأرض؟ لم يكن لهم بد من أن يقولوا: الله، كقوله: {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله} وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإذا قال: هذا قولي، قال: هذا قولك، فيحكي إقراره تقريرًا عليه واستئنافًا منه، ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول كيت وكيت.